استثمار موريتاني في المدن القديمة لدعم السياحة

تزخر موريتانيا أو بلاد شنقيط كما يحلو للأهالي مناداتها، بالعديد من المناطق السياحية بالغة الجمال والدلالة التاريخية، أبرزها تلك الموجودة في مدنها القديمة، لكنها بقيت دون اهتمام نتيجة عوامل عدة ما جعل السياحة في هذا البلد العربي تكاد تكون منعدمةً، وهو ما شجع الأهالي على إطلاق حملات ترويجية للتسويق للوجهة السياحية الموريتانية ومعاضدة مجهودات الدولة.

ضحية الإرهاب وضعف الاهتمام بالقطاع

امتلاكها للعديد من المناطق الجميلة ذات المخزون الثقافي المهم، لم يشفع لموريتانيا في أن تكون مثل جارتها الشمالية المغرب في الميدان السياحي، فهذا القطاع كان ضحية الإرهاب الذي ضرب المنطقة في السنوات الأخيرة وضعف الاهتمام الحكومي به أيضًا.

تسببت الهجمات الإرهابية التي عرفتها البلاد في سنوات 2005 و2007 و2008، في تراجع إقبال السياح الأجانب عليها، حيث اُستُهدفت موريتانيا، في السنوات المذكورة، بهجمات إرهابية دامية خلفت عشرات القتلى والجرحى من العسكريين، علاوة على مقتل 4 سياح فرنسيين في 24 من ديسمبر/كانون الأول 2007، في مدينة "ألاك" (250 شرق نواكشوط)، إلى جانب اختطاف رعايا أجانب، بينهم إسبان شمال نواكشوط، في 2 من ديسمبر/كانون الأول 2009.

تعكس ودان ودورها الضاربة في القدم وسورها ذو الأبواب الأربع الذي ما زالت بقاياه قائمة إلى الآن، جزءًا من حضارات وأمم مرت بصحراء موريتانيا على امتداد التاريخ

 

تلك الهجمات التي تبناها "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، دفعت الاتحاد الأوروبي، سنة 2008، إلى حظر سفر مواطنيه إلى موريتانيا، كما وضعت الخارجية الفرنسية مناطق واسعة من البلد الإفريقي في "القائمة الحمراء" الخطيرة للمناطق التي يمنع على الفرنسيين زيارتها.

هذا الوضع، قلل اهتمام الحكومات الموريتانية المتعاقبة بالقطاع السياحي في البلاد، حيث لم تواكب البلاد التطورات الحاصلة في القطاع، ما جعل البنية التحتية متهالكة لا توفر الرفاهية المطلوبة للسياح، فلا وجود لمنتجعات سياحية ولا أي إقامات بالمعايير المقبولة في المدن التاريخية والمواقع السياحية.

حتى بعد تحسن الأوضاع الأمنية نسبيًا، ورفع البلاد من قائمة الحظر، لم تتحسن الأوضاع كثيرًا، فبعض المئات فقط قرروا القدوم لموريتانيا واستكشاف مدخراتها الجمالية والثقافية، ويعود ذلك إلى عدم استثمار الدولة في هذا القطاع.

مدن موريتانيا التاريخية الأربعة

في حديثنا عن السياحة الموريتانية، لا بد من الحديث عن أبرز مناطقها، وهي صحراؤها القاسية بمدنها التاريخية الرائعة التي يحكي البعض منها جزءًا كبيرًا من قصة الشعب الموريتاني وتاريخه وأنماط اهتمامه القديمة والمتغيرات التي طرأت عليه وغنى مكوناته وتعدده الثقافي وعمارته الفريدة.

ضمن هذه المدن التاريخية في صحراء البلاد، نجد مدينة "وَادَان" المصنفة ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو، حيث العمارة الصحراوية والتنوع الثقافي والمكتبات التي تزخر بالمخطوطات الثمينة، التي تعكس جزءًا من حضارات وأمم مرت بالصحراء.

 

مدينة "وَادَان" التاريخية

تتكون هذه المدينة من جزأين: أحدهما غير مأهول بالسكان ويطلق عليه المدينة القديمة التي تعتبر وجهة سياحية لكثير من السياح الأجانب، حيث أدرجتها منظمة اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمي، بالإضافة إلى جزء آخر مأهول بالسكان، حيث توجد المباني الإدارية الخاصة بالمدينة.

وتعكس مدينتها القديمة ودورها الضاربة في القدم وسورها ذو الأبواب الأربع الذي ما زالت بقاياه قائمة إلى الآن، جزءًا من حضارات وأمم مرت بصحراء موريتانيا على امتداد التاريخ، مقدمة لزائرها صورةً عن ماضٍ مزدهر وعمران فريد، تأقلم مع الصحراء.

في تلك المدينة، للسائح أن يتعرف عظمة الفن المعماري الذي بلغته الحضارة في تلك المنطقة في أثناء ازدهارها، من خلال زيارة قلعة وادان ومسجدها وبيوتها العتيقة التي شيدت بالحجر الجيري ويغطي جدرانها الطين الأحمر، وأبوابها المصنوعة من خشب السنط الأحمر الأصلي وتؤطرها زخارف ورسوم وأقواس وأشكال هندسية مختلفة.

عند زيارة شنقيط، للسائح أن يعايش كيف حافظت المدينة على معمارها رغم عاديات الزمن والظروف المناخية الصعبة والعزلة القاتلة

 

إلى جانب "وادان" نجد مدينة شنقيط التي منحت اسمها موريتانيا عبر التاريخ، وتوجد هذه المدينة على بعد 516 كيلومترًا من العاصمة نواكشوط، في أقصى الشمال الموريتاني، في أحضان سلسلة جبال آدرار الشامخة وبين جوانح كثبانها الرملية الممتدة مد البصر.

"مدينة المكتبات"، حيث تفاخر العائلات بمكتباتها وكتبتها المقدسة ومخطوطاتها النادرة التي يعود أقدمها إلى أكثر من ألف عام فوق رفوف خشبية عتيقة ظلت صامدة صمود علم علمائها، فقد كانت المدينة في الماضي حلقة للوصل ومعبرًا للتجارة بين مشارق الأرض ومغاربها.

عند زيارة تلك المدينة، للسائح أن يعايش كيف حافظت المدينة على معمارها رغم عاديات الزمن والظروف المناخية الصعبة والعزلة القاتلة، فشنقيط الواقعة على مستوى أعلى من الكثبان الرملية، ما زالت حية تصارع كل الظروف الطبيعية.

هناك، يجد السائح بناءات تحدثه عن ماضي المدينة السحيق والفكر الخلاق لدى الرجل الشنقيطي الذي سخر الحجارة والطين لبناء مدينة متكاملة في تناسق بديع، ليشكل فنًا معماريًا قلما يوجد مثله في كثير من المدن العالمية، إذ إنه يبرز خصوصية حقيقية لليد التي صنعته والعقل الذي صممه.

أبرز المعالم التي يمكن للسائح التمتع برؤيتها واستكشافها في هذه المدينة التاريخية، المسجد العتيق الذي احتل قلب المدينة، مسجد لم يلاحظ عليه أي خلل في جسمه المتماسك، حاز قمة الجمال لما فيه من عناصر تراثية قيمة تتجلى في صومعته الشاهقة ذات العشرة أمتار التي تعتبر رمزًا لدولة موريتانيا.